فصل: الخبر عن نهوض السعيد صاحب مراكش ومنازلته يغمراسن بجبل تامزردكت ومهلكه هنالك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن نهوض السعيد صاحب مراكش ومنازلته يغمراسن بجبل تامزردكت ومهلكه هنالك:

لما انقضت دولة بني عبد المؤمن وانتزى الثوار والدعاة بقاصية أعمالهم وقطعوها عن ممالكهم فاقتطع ابن هود ما وراء البحر من جزيرة الأندلس واستبد بها وورى بالدعاء للمستنصر بن الظاهر خليفة بغداد من العباسيين لعهده ودعا الأمير أبو زكريا بن أبي حفص بأفريقية لنفسه وسما إلى جمع كلمة زناتة والتغلب على كرسي الدعوة بمراكش فنازل تلمسان وغلب سنة أربعين وستمائة وقارن ذلك ولاية السعيد علي بن المأمون إدريس بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وكان شهما حازما يقظا بعيد الهمة فنظر في أعطاف دولته وفاوض الملأ في تثقيف أطرافها وتقويم مائلها وأثار حفائظهم ما وقع من بني مرين في ضواحي المغرب ثم في أمصاره وأستيلائهم على مكناسة وإقامتهم الدعوة الحفصية فيها كما نذكره فجهز الملوك والعساكر وأزاح عليهم واستنفر عرب المغرب وما يليه واحتشد كافة المصامدة ونهض من مراكش آخر سنة خمس وأربعين وستمائة يريد القاصية ويشرد بني مرين عن الأمصار الدانية واعترض العساكر والحشود بوادي بهت وأغذ السير إلى تازي فوصلته هناك طاعة بي مرين كما نذكره ونفر معه عسكر منهم ونهض إلى تلمسان وما وراء ونجا يغمراسن بن زيان وبنو عبد الواد بأهليهم وأولادهم إلى قلعة تامز وردكت قبلة وجدة فاعتصموا بها.
ووفد على السعيد الفقيه عبدون وزير يغمراسن مؤديا للطاعة ثابتا في مذاهب الخدمة ومتوليا من حاجات الخليفة بتلمسان ما يدعوه إليه ويصرفه في سبيله ومعتذرا عن وصول يغمراسن فلج الخليفة في شأنه ولم يعذره وأبى إلا مباشرة طاعته بنفسه وساعده فى ذلك كانون بن جرمون السفياني صاحب الشورى بمجلسه ومن حضر من الملأ ورجعوا عبدونا لإستقدامه فتثاقل خشية على نفسه واعتمد السعيد الجبل في عساكره وأناخ بها في ساحة وأخذ بمخنقهم ثلاثا ولرابعها ركب مهجرا على حين غفلة من الناس في قائلة ليتطوف على المعتصم ويتقرى مكامنه فبصر به فارس من القوم يعرف بيوسف بن عبد المؤمن الشيطان كان أسفل الجبل للاحتراس وقريبا منه يغمراسن بن زيان وابن عمه يعقوب بن جابر فانقضوا عليه من بعض الشعاب وطعنه يوسف فأكبه عن فرسه وقتل يعقوب بن جابر وزيره يحيى بن عطوش ثم استلحموا لوقتهم مواليه ناصحا من العلوج وعنبرا من الخصيان وقائد جند النصارى أخو القمط ووليدا يافعا من ولد السعيد.
ويقال إنما كان ذلك يوم عبى العساكر وصعد الجبل للقتال وتقدم أمام الناس فأقتطعه بعض الشعاب المتوعرة في طريقه فتواثب به هؤلاء الفرسان وكان ما ذكرناه وذلك في صفر سنة ست وأربعين وستمائة ووقعت النفرة في العساكر لطائر الخبر فأنجلوا وبادر يغمراسن إلى السعيد وهو صريع بالأرض فنزل إليه وحياه وفداه وأقسم له على البراءة من هلكته والخليفة واجم بمصرعه يجود بنفسه إلى أن فاض وانتهب المعسكر بجملته وأخذ بنو عبد الواد ما كان به من الأخبية والغازات واختص غمراسن بفسطاط السلطان فكان له خالصة دون قومه واستولى على الذخيرة التي كانت فيه منها مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه يزعمون أنه أخذ المصاحف إلى انتسخت لعهد خلافته وأنه كان في خزائن قرطبة عند ولد عبد الرحمن الداخل ثم صار في ذخائر لمتونة فيما صار إليهم من ذخائر ملوك الطوائف بالأندلس ثم إلى خزائن الموحدين من خزائن لمتونة وهو لهذا العهد في خزائن بني مرين فيما استولوا عليه من ذخيرة آل زيان حين غلبهم إياهم على تلمسان واقتحامها عنوة على ملكها منهم عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن يغمراسن فريسة السلطان أبي الحسن مقتحمها غلابا سنة سبع وثلاثين وسبعمائة كما نذكره ومنها العقد المنتظم من خرزات الياقوت الفاخرة والدرر المشتمل على مئين متعددة من حصبائه يسمى بالثعبان وصار في خزائن بني مرين بعد ذلك الغلاب فيا اشتملوا عليه من ذخيرتهم إلى أن تلف في البحر عند غزو الأسطول بالسلطان أبي الحسن بمرسى بجاية مرجعه من تونس حسبما نذكره بعد إلى ذخائر من أمثاله وطرف من أشباهه مما يستخلصه الملوك لخزائنهم وبعنون به من ذخائرهم ولما سكنت النفرة وركد عاصف تلك الهيعة نظر يغمراسن في شأن مواراة الخليفة فجهز ورفع على الأعواد إلى مدفنه بالعباد بمقبرة الشيخ أبي مدين عفا الله عنه ثم نظر في شأن حرمه وأخته تاعزونت الشهيرة الذكر بعد أن جاءها واعتذر إليها مما وقع وأصحبهن جملة من مشيخة بنى عبد الواد إلى مأمنهن وألحقوهن بدرعة من تخوم طاعتهم فكان له بذلك حديث جميل في الإبقاء على الحرم ورعى حقوق الملك ورجع إلى تلمسان وقد خضدت شوكة بنى عبد المؤمن وأمنهم على سلطانه والله أعلم.

.الخبر عما كان بينه وبين بني مرين من الأحداث سائر أيامه:

قد ذكرنا ما كان بين هذين الحيين من المناغاة والمنافسة منذ الآماد المتطاولة بما كانت مجالات الفريقين بالصحراء متجاورة وكان التخم بين الفريقين واديا إلى فيكيك وكان بنو عبد المؤمن عند فشل الدولة وتغلب بنى مرين على ضاحية المغرب يستجيشون بنى عبد الواد مع عساكر الموحدين على بنى مرين فيجوسون خلال المغرب ما بين تازى إلى فاس إلى القصر في سييل المظاهرة للموحدين والطاعة لهم وسنذكر أخبار بنى مرين كثيرا من ذلك فلما هلك السعيد وأسف بنو مرين إلى ملك المغرب ليغمراسن أمل في مزاحمتهم وكان أهل فاس بعد تغلب أبو يحيى بن عبد الحق عليهم قد نقموا على قومه سوء السيرة وتمشت رجالاتهم في اللياذ بطاعة الخليفة المرتضى ففعلوا فعلتهم في الفتك بعامل أبي يحيى بن عبد الحق والرجوع إلى طاعة الخليفة وأغذ أبو يحيى المسير إلى منازلتهم فحاصرهم شهورا وفي أثناء هذا الحصار اتصلت المخاطبة بين الخليفة المرتضى ويغمراسن بن زيان في الأخذ بحجزة أبي يحيى بن عبد الحق بفاس فأجاب يغمراسن داعيه واستنفر لها إخوانه من زناتة فنفر معه عبد القوي بن عطية بقومه من توجين وكافة القبائل من زناتة والمغرب ونهضوا جميعا إلى المغرب وبلغ خبرهم إلى أبي يحيى بن عبد الحق بمكانه من حصار فاس فجهز كتائبه عليها ونهض للقائهم في بقية العساكر والتقى الجمعان بايسلي من ناحية وجدة وكانت هناك الواقعة المشهورة بذلك المكان انكشف فيها جموع يغمراسن وهلك منهم يغمراسن وغيره ورجعوا في فلهم إلى تلمسان واتصلت بعد ذلك بينهم الحروب والفتنات سائر أيامه وربما تخللتها المهادنات قليلا وكان بينه وبين يعقوب بن عبد الحق ذمة مواصلة أوجب له رعيها وكثيرا ما كان يثني عليه أخوه أبو يحيى من أجلها ونهض أبو يحيى بن عبد الحق سنة خمس وخمسين وستمائة إلى قتاله وبرز إليه يغمراسن وتزاحف جموعهم بأبي سليط فانهرم يغمراسن واعتزم أبو يحيى على اتباعه فرده أخوه يعقوب بن عبد الحق.
ولما قفل إلى المغرب صمد يغمراسن إلى سجلماسة لمداخلة كانت بينه وبين المنبات من عرب المعقل أهل مجالاتها وذئاب فلاتها حدثته نفسه باهتبال الغرة في سجلماسة من أجلها وكانت قد صارت إلى إيالة أبي يحيى بن عبد الحق منذ ثلاث كما ذكرناه في أخبارهم ونذر بذلك أبو يحيى فسابق إليها يغمراسن بمن حضره من قومه فثقفها وسد فرجها ووصل يغمراسن عقيب ذلك بعساكره وأناخ بها وامتنعت عليه فأفرج عنها قافلا إلى تلمسان وهلك أبو يحيى بن عبد الحق إثر ذلك منقلبه إلى فاس فاستنفر يغمراسن أولياءه من زناتة وأحياء زغبة ونهض إلى المغرب سنة سبع وخمسين وستمائة وانتهى إلى كلدامان ولقيه يعقوب بن عبد الحق في قومه فأوقع به وولى يغمراسن منهزما ومر في طريقه بتافرسيت فانتسفها وعاث في نواحيها ثم تداعوا للسلم ووضع أوزار الحرب وبعث يعقوب بن عبد الحق ابنه أبا مالك بذلك فتولى عقده وإبرامه ثم كان التقاؤهما سنة تسع وخمسين وستمائة بواجر قبالة بني يزناسن واستحكم عقد الوفاق بينهما لذلك واتصلت المهادنة إلى أن كان بينهما ما نذكره إن شاء الله تعالى.